سلطة البوابة: تحليل دور رئيس التحرير وحقّه في الرفض المكتبي لل manuscripts في منظومة النشر العلمي

 

سلطة البوابة: تحليل دور رئيس التحرير وحقّه في الرفض المكتبي لل manuscripts في منظومة النشر العلمي

The Gatekeeper's Mandate: An Analysis of the Editor-in-Chief's Role and Prerogative of Desk Rejection in the Scholarly Publishing Ecosystem




ملخص (Abstract)

في ظل التزايد الهائل في عدد المخطوطات العلمية المقدمة للنشر في المجلات المحكمة، برز دور رئيس التحرير (Editor-in-Chief, EIC) كحارس أساسي لجودة وكفاءة العملية النشرية. تتمثل إحدى أهم صلاحيات رئيس التحرير، وأكثرها إثارة للجدل أحياناً، في القدرة على رفض المخطوطة دون إرسالها إلى التحكيم الخارجي، وهو ما يُعرف بـ "الرفض المكتبي" (Desk Rejection). تستعرض هذه المقالة بشكل شامل الدور المتطور لرئيس التحرير، من مجرد منسق إلى استراتيجي ومدير للمعرفة العلمية. كما تحلل المقالة بعمق المبررات المنطقية والأخلاقية التي تجعل من الرفض المكتبي ممارسة ضرورية وليست قاصرة، وتصنف الأسباب الجوهرية التي تؤدي إلى هذا القرار، والتي تشمل عدم ملاءمة المخطوطة لنطاق المجلة، وجود عيوب منهجية فادحة، نقص الأصالة والابتكار، ومخالفات النزاهة العلمية. بالإضافة إلى ذلك، تناقش المقالة تأثير هذه الممارسة على الأطراف المعنية: المؤلفين، والمحكمين، والمجلة نفسها، والمجتمع العلمي بشكل أوسع. وتختتم المقالة بتقديم أفضل الممارسات التي يجب على رؤساء التحرير اتباعها عند ممارسة هذا الحق، لضمان الشفافية والعدالة وتقليل التحيز، مع التأكيد على أن الرفض المكتبي، عندما يتم تطبيقه بحكمة، هو أداة حيوية للحفاظ على سلامة وفعالية التواصل العلمي في العصر الحديث.

الكلمات المفتاحية: رئيس التحرير، الرفض المكتبي، التحكيم العلمي، جودة النشر، أخلاقيات النشر، نطاق المجلة، النزاهة العلمية.


1. مقدمة: تحديات النشر العلمي في القرن الحادي والعشرين

يشهد عالم النشر الأكاديمي تحولاً جذرياً لم يسبق له مثيل. ففي ظل ما يعرف بـ "ثورة النشر المفتوح" والضغط الهائل على الباحثين من خلال ثقافة "النشر أو الفناء" (Publish or Perish)، تضاعفت أعداد المخطوطات العلمية المقدمة إلى المجلات المحكمة بشكل هائل (Ware & Mabe, 2015). هذا التدفق الهائل من الأبحاث يضع عبئاً كبيراً على منظومة النشر التقليدية التي تعتمد بشكل أساسي على التحكيم الخارجي (Peer Review) كآلية أساسية لضمان الجودة.

التحكيم العلمي، على الرغم من كونه حجر الزاوية في التواصل العلمي، هو عملية بطيئة ومكلفة. فهي تعتمد على تبرع وقت وخبرة عدد محدود من الخبراء المتطوعين (المحكمين)، الذين يقومون بتقييم المخطوطات بدقة وتفصيل. ومع تزايد عدد المقدمات، أصبح من غير العملي أو الفعال إرسال كل مخطوطة تصل إلى تحرير المجلة إلى التحكيم. هنا، يبرز دور رئيس التحرير كـ "حارس البوابة" (Gatekeeper)، وهو الدور الذي اكتسب أهمية متزايدة في العقود الأخيرة.

رئيس التحرير لم يعد مجرد شخص يتلقى الأبحاث ويحيلها، بل أصبح مديراً استراتيجياً، ومهندساً لهوية المجلة العلمية، والخط الدفاع الأول عن جودتها. ومن أهم الأدوات التي يمتلكها للقيام بهذا الدور هي صلاحية "الرفض المكتبي" (Desk Rejection)، وهي القدرة على اتخاذ قرار برفض المخطوطة في مرحلة ما قبل التحكيم.

يهدف هذا المقال إلى تقديم تحليل علمي معمق لهذه الممارسة. سنسعى للإجابة على عدة أسئلة محورية: ما هو الدور الدقيق لرئيس التحرير في منظومة النشر الحديثة؟ ولماذا يُعتبر الرفض المكتبي حقاً مشروعاً وضرورياً؟ وما هي الأسباب الدقيقة التي تدفع رئيس التحرير لاتخاذ هذا القرار؟ وكيف يؤثر هذا القرار على مختلف الأطراف المعنية؟ وأخيراً، ما هي المعايير الأخلاقية التي يجب أن تحكم هذه العملية لضمان عدالتها وشفافيتها؟ من خلال الإجابة على هذه الأسئلة، نسعى إلى تقديم رؤية شاملة توضح أن الرفض المكتبي ليس عملاً تعسفياً، بل هو أداة حيوية لضمان استدامة وجودة النشر العلمي.


2. الدور المتطور لرئيس التحرير: من المنسق إلى الاستراتيجي

لفهم منطق الرفض المكتبي، يجب أولاً فهم تطور دور رئيس التحرير نفسه. تاريخياً، كان دور رئيس التحرير يقتصر في كثير من الأحيان على التنسيق الإداري وتلقي المقالات وتوزيعها على المحكمين. لكن اليوم، أصبح هذا الدور أكثر تعقيداً وتخصصاً، ويمكن تلخيصه في ثلاث وظائف رئيسية:

2.1. حارس جودة المجلة (Guardian of Quality)

المسؤولية الأولى والأهم لرئيس التحرير هي الحفاظ على المعايير العلمية والأكاديمية للمجلة. هذه المسؤولية تتجاوز مجرد الاعتماد على تقرير المحكمين. فالمحكمون يقيّمون صحة البحث المقدم لهم، لكن رئيس التحرير هو من يحدد ما إذا كان البحث يستحق هذا الجهد من الأساس. إنه يمتلك رؤية شاملة عن المجال، ويمكن أن يمتلك رئيس التحرير رؤية شاملة عن المجال، ويمكنه بسرعة تقييم ما إذا كان البحث يضيف قيمة حقيقية أم أنه مجرد تكرار لعمل سابق. إنه يقوم بفلترة الأبحاث بناءً على معايير أساسية قبل أن يكلف المحكمين بفحص التفاصيل الدقيقة.

2.2. مهندس هوية المجلة (Architect of the Journal's Identity)

كل مجلة علمية ناجحة لها هوية فريدة ورسالة واضحة، والتي غالباً ما يتم تلخيصها في قسم "الأهداف والنطاق" (Aims and Scope). رئيس التحرير هو المهندس الرئيسي لهذه الهوية. هو من يحدد التخصصات الدقيقة التي ستغطيها المجلة، ونوعية الأبحاث التي تسعى لنشرها (مثلاً، أبحاث أساسية أم تطبيقية، دراسات حالة أم مراجعات منهجية). إن الرفض المكتبي للأبحاث التي لا تتناسب مع هذه الهوية هو أداة حاسمة للحفاظ على تماسك المجلة وجذبها للجمهور المستهدف. إذا سمحت مجلة متخصصة في أمراض القلب بنشر أبحاث في علم الأوبئة العامة بشكل عشوائي، فإنها ستتلاشى هويتها وتفقد ثقة قرائها والمؤلفين المتخصصين فيها. لذلك، فإن قرار رئيس التحرير برفض بحث خارج النطاق ليس هجوماً على جودة البحث، بل هو دفاع عن استراتيجية المجلة ومكانتها في المشهد العلمي.

2.3. مدير عملية التحكيم (Manager of the Peer Review Process)

التحكيم العلمي هو مورد ثمين ومحدود. كما ذكرنا، المحكمون متطوعون، ووقتهم ثمين. رئيس التحرير يعمل كمدير لهذه العملية، ومسؤوليته الأساسية هي ضمان استخدام هذا المورد بكفاءة قصوى. إرسال مخطوطة واضح أنها غير مناسبة أو ذات جودة منخفضة إلى المحكمين يعتبر إهداراً للوقت والجهد. هذا الإهدار له تكلفة باهظة: فالمحكمون قد يشعرون بالإحباط ويرفضون طلبات التحكيم المستقبلية من المجلة، كما أن العملية بأكملها تصبح أبطأ، مما يؤخر نشر الأبحاث الجيدة التي تنتظر في الطابور. الرفض المكتبي هو أداة إدارية حاسمة لتحسين سير العمل، وتقليل أوقات النشر، والحفاظ على علاقة جيدة مع قاعدة المحكمين المخلصين.


3. الرفض المكتبي: المفهوم، المبررات، والأسباب الجوهرية

3.1. تعريف الرفض المكتبي ومبرراته

الرفض المكتبي (Desk Rejection) هو مصطلح يصف قراراً يتخذه رئيس التحرير أو المحرر المسؤول برفض مخطوطة علمية بعد المراجعة الأولية في مكتبه (على "مكتبه" الافتراضي أو الحقيقي) وبدون إحالتها إلى المحكمين الخارجيين. هذا القرار لا يعني أن المخطوطة سيئة بالضرورة، بل يعني أنها لا تلبي المعايير الأساسية للمجلة للمضي قدماً في عملية التحكيم.

تكمن مبررات هذه الممارسة في أربعة جوانب رئيسية:

  1. كفاءة العملية (Process Efficiency): تسريع عملية اتخاذ القرار للمؤلفين، مما يوفر عليهم انتظار أسابيع أو أشهر لنتيجة كانت يمكن توقعها في مرحلة مبكرة.
  2. حماية الموارد (Resource Protection): الحفاظ على وقت وطاقة المحكمين، وتوجيههم نحو المخطوطات التي لديها فرصة حقيقية للقبول والنشر.
  3. الحفاظ على معايير المجلة (Upholding Journal Standards): ضمان أن الأبحاث التي تحمل اسم المجلة قد اجتازت فلتراً أولياً صارماً للجودة والملاءمة.
  4. إدارة التوقعات (Managing Expectations): توجيه المؤلفين نحو المجلات الأكثر ملاءمة لأبحاثهم، مما يزيد من فرصهم في النشر على المدى الطويل.

3.2. تصنيف الأسباب الجوهرية للرفض المكتبي

يمكن تصنيف الأسباب التي تدفع رئيس التحرير إلى اتخاذ قرار الرفض المكتبي إلى ست فئات رئيسية، غالباً ما تكون متداخلة في بعض الحالات.

3.2.1. عدم التوافق مع أهداف ونطاق المجلة (Lack of Fit with Aims and Scope)

هذا هو السبب الأكثر شيوعاً للرفض المكتبي. قد يكون البحث ممتازاً من حيث الجودة المنهجية والكتابة، ولكنه ببساطة لا ينتمي إلى التخصص الدقيق الذي تغطيه المجلة. على سبيل المثال:

  • تقديم بحث في الهندسة الكيميائية لمجلة متخصصة في كيمياء المواد الطبيعية.
  • تقديم دراسة حالة سريرية لمجلة تنشر فقط الأبحاث الأساسية (Basic Research).
  • تقديم ورقة مراجعة (Review Article) لمجلة لا تنشر سوى الأبحاث الأصلية (Original Research).

رئيس التحرير، بحكم خبرته، يستطيع تحديد هذا عدم الملاءمة بسرعة. القرار في هذه الحالة ليس حكماً على قيمة البحث، بل هو تقييم لمدى تناسقه مع هوية المجلة واهتمامات قرائها.

3.2.2. عيوب منهجية جوهرية (Fundamental Methodological Flaws)

حتى لو كان البحث ضمن نطاق المجلة، فإن وجود عيوب جوهرية في تصميم الدراسة يمكن أن يؤدي إلى الرفض الفوري. رئيس التحرير، وهو خبير في المجال، غالباً ما يكتشف هذه العيوب في المراجعة الأولية. أمثلة على هذه العيوب:

  • تصميم تجريبي خاطئ: استخدام مجموعة تحكم غير مناسبة، أو عدم وجودها.
  • حجم عينة غير كافٍ: حجم العينة صغير جداً بحيث لا يسمح باستخلاص نتائج ذات دلالة إحصائية (Statistical Power).
  • تحليل إحصائي غير مناسب: استخدام اختبار إحصائي لا يتناسب مع نوع البيانات أو تصميم البحث.
  • غياب السيطرة على المتغيرات المحيرة: عدم التحكم في العوامل الخارجية التي قد تؤثر على النتائج.

هذه العيوب تجعل النتائج غير موثوقة، وأي استنتاجات مبنية عليها تكون ضعيفة. إرسال مثل هذا البحث للتحكيم سيكون مضيعة للوقت، لأن المحكمين سيطالبون حتماً بإجراء تجربة جديدة بالكامل، وهو ما يخرج عن نطاق التعديلات المقبولة.

3.2.3. نقص الأصالة أو الإضافة العلمية (Lack of Novelty or Scientific Contribution)

المجلات العلمية تسعى لنشر أبحاث تقدم إضافة جديدة للمعرفة البشرية. إذا كان البحث مجرد تأكيد لما هو معروف بالفعل، أو تكرار لدراسات سابقة دون أي إضافة أو تحسين، فقد يتم رفضه مكتبياً. رئيس التحرير يسأل نفسه: "هل هذا البحث سيغير شيئاً في طريقة تفكير الباحثين في هذا المجال؟ هل يقدم بيانات جديدة أو منظوراً جديداً؟". إذا كانت الإجابة "لا"، فمن المرجح أن يتم الرفض. هذا لا يعني أن البحث عديم الفائدة تماماً، بل يعني أنه لا يصل إلى عتبة الابتكار التي تتطلبها المجلات ذات معدلات القبول المنخفضة والسمعة العالية.

3.2.4. مخالفات أخلاقية جسيمة (Serious Ethical Violations)

هذه واحدة من أخطر الأسباب وتؤدي إلى رفض فوري وحاسم. في العصر الرقمي، تستخدم المجلات برامج متخصصة لفحص الانتحال العلمي (Plagiarism) مثل Turnitin أو iThenticate. إذا أظهر الفحص الأولي نسبة اقتباس عالية جداً وغير مصرح بها، يتم الرفض فوراً. المخالفات الأخرى تشمل:

  • تزوير البيانات (Data Fabrication) أو التلاعب بها (Falsification): إذا كانت البيانات المقدمة تبدو غير منطقية أو متناقضة بشكل واضح.
  • مشاكل في المشاركة في التأليف (Authorship Issues): وجود مؤلفين ليس لهم مساهمة حقيقية، أو غياب مؤلفين أساسيين.
  • النشر المزدوج (Duplicate Publication): إرسال نفس البحث أو جزء كبير منه إلى أكثر من مجلة في نفس الوقت.
  • عدم الحصول على موافقة أخلاقية (Lack of Ethical Approval): للأبحاث التي تتضمن تجارب على الإنسان أو الحيوان، يجب أن يكون هناك تصريح واضح من لجنة أخلاقيات البحث العلمي.

3.2.5. ضعف شديد في العرض واللغة (Severe Deficiencies in Presentation and Language)

العلم يتطلب وضوحاً. إذا كانت المخطوطة مكتوبة بلغة ضعيفة جداً لدرجة يصعب فهمها، أو إذا كان الهيكل التنظيمي للبحث فوضوياً (مثلاً، عدم وجود ملخص واضح، أو خلط بين المنهجية والنتائج)، فقد يتم رفضها. هذا القرار لا يعتمد على التحيز اللغوي، بل على مبدأ أساسي: إذا كان المحكمون لا يستطيعون فهم البحث، فلا يمكنهم تقييمه. في هذه الحالة، قد يطلب رئيس التحرير من المؤلفين إعادة الكتابة الكاملة للبحث بواسطة متخصص لغوي قبل إعادة تقديمه، أو قد يرفضه مباشرة إذا كان الضعف شديداً للغاية.

3.2.6. تقديم ناقص أو عدم الالتزام بالتعليمات (Incomplete Submission or Non-compliance)

هذا سبب إداري ولكنه مهم. إذا فشل المؤلف في اتباع تعليمات الإعداد الأساسية للمجلة، فقد يُرفض البحث. هذا يشمل:

  • عدم تقديم رسالة تغطية (Cover Letter).
  • غياب أقسام أساسية مثل الملخص، الكلمات المفتاحية، أو قائمة المراجع.
  • عدم تقديم المخطوطة بالتنسيق المطلوب من قبل المجلة.

هذا النوع من الرفض يرسل رسالة واضحة للمؤلف بأهمية الاهتمام بالتفاصيل واحترام سياسات المجلة.


4. تأثير الرفض المكتبي على الأطراف المعنية

قرار الرفض المكتبي له تداعيات على جميع الأطراف المشاركة في عملية النشر العلمي.

4.1. التأثير على المؤلفين

بالنسبة للمؤلف، وخاصة الباحثين الشباب، يمكن أن يكون الرفض المكتبي محبطاً ومؤلماً. قد يشعرون بأن عملهم لم يُنصف أو يُقرأ بعناية. ومع ذلك، هناك جوانب إيجابية لهذه التجربة عند النظر إليها من منظور مختلف:

  • توفير الوقت: بدلاً من الانتظار لشهرين أو ثلاثة للحصول على قرار، يحصل المؤلف على رد في غضون أيام أو أسابيع قليلة. هذا يسمح له بتعديل بحثه وتقديمه إلى مجلة أكثر ملاءمة بسرعة.
  • توجيه مفيد: غالباً ما يوفر رئيس التحرير سبباً موجزاً للرفض (مثل "البحث خارج نطاق المجلة"). هذا التوجيه يساعد المؤلف على تحسين استهدافه للمجلات في المستقبل.
  • فرصة للتعلم: إذا كان السبب يتعلق بضعف منهجي أو لغوي، فإنه يمثل دعوة للمؤلف لإعادة النظر في عمله بشكل نقدي وتحسينه قبل محاولة النشر مرة أخرى.

4.2. التأثير على المحكمين

التأثير على المحكمين هو إيجابي بشكل ساحق. الرفض المكتبي يحترم وقتهم وجهدهم. بدلاً من قضاء ساعات في تقييم بحث واضح أنه سيتم رفضه، يمكنهم تخصيص وقتهم للأبحاث الواعدة التي تحتاج إلى تقييم دقيق. هذا يحسن من جودة عملية التحكيم بشكل عام، حيث يكون المحكمون أكثر تحمساً واستعداداً لتقديم تقييمات معمقة عندما يشعرون بأن وقتهم يُستخدم بكفاءة.

4.3. التأثير على المجلة

الرفض المكتبي يعزز من سمعة المجلة وكفاءتها. المجلة التي تطبق هذه الممارسة تُعرف بأنها تتمتع بعملية نشر سريعة وفعالة، وأنها تحافظ على معايير عالية للجودة. هذا يجذب المؤلفين المتميزين والمحكمين الخبراء، مما يخلق حلقة إيجابية من النجاح. كما أنه يقلل من العبء على هيئة التحرير والموظفين الإداريين للمجلة.

4.4. التأثير على المجتمع العلمي

على المستوى الكلي، يعمل الرفض المكتبي كفلتر أولي لضمان نوعية الأدب العلمي الذي يدخل إلى مرحلة التحكيم. على الرغم من أنه ليس بديلاً عن التحكيم، إلا أنه يرفع المستوى العام للمخطوطات التي تصل إلى المحكمين، مما يساهم في الحفاظ على سلامة وموثوقية السجل العلمي ككل.


5. أفضل الممارسات والاعتبارات الأخلاقية في تطبيق الرفض المكتبي

نظراً للطبيعة الحساسة لقرار الرفض المكتبي، يجب على رؤساء التحرير الالتزام بمجموعة من أفضل الممارسات لضمان أن العملية عادلة وشفافة وموضوعية.

5.1. الشفافية والتوضيح (Transparency and Clarity)

يجب أن يكون قرار الرفض المكتبي مصحوباً بتوضيح موجز ومهذب. حتى لو كان السبب هو "عدم الملاءمة"، فإن ذكر ذلك بوضوح يساعد المؤلف. كلما كان التوضيح أكثر تحديداً (دون الإسهاب المفرط)، كان ذلك أكثر فائدة. تجنب الرفود الغامضة مثل "البحث غير مناسب للنشر في المجلة" دون إعطاء سبب.

5.2. البناءية والمهنية (Constructiveness and Professionalism)

يجب أن تكون لغة رسالة الرفف احترافية ومبنية على مبدأ الاحترام المتبادل. يجب تجنب أي لغة مسيئة أو مهينة. الهدف هو رفض البحث، وليس إهانة الباحث. يمكن تقديم اقتراحات بناءة، مثل "نقترح النظر في المجلات التي تركز على [اذكر مجال أكثر ملاءمة]".

5.3. الموضوعية وعدم التحيز (Objectivity and Impartiality)

هذا هو الجانب الأخلاقي الأكثر أهمية. يجب أن يستند قرار الرفض المكتبي حصراً إلى المعايير الأكاديمية والعلمية المذكورة سابقاً. يجب على رئيس التحرير أن يكون واعياً للتحيزات المحتملة ويقاومها بشدة، بما في ذلك:

  • التحيز الجغرافي أو المؤسسي: رفض البحث لمجرد أنه يأتي من بلد أو جامعة معينة.
  • التحيز الشخصي: رفض البحث بسبب خلافات سابقة مع المؤلف.
  • التحيز المعرفي: رفض البحث لأنه يتحدى النظريات السائدة التي يؤمن بها رئيس التحرير (وهذا يتطلب درجة عالية من الانفتاح الفكري).

5.4. الاتساق (Consistency)

يجب على رئيس التحرير أن يطبق معايير الرفض المكتبي بشكل متسق على جميع المخطوطات. يجب أن تتم معاملة الأبحاث المماثلة بطريقة مماثلة، بغض النظر عن هوية المؤلفين. هذا الاتساق يبني الثقة في عدالة المجلة.


6. خاتمة

في خضم العواصف التي يشهدها عالم النشر العلمي من زيادة هائلة في حجم المخرجات البحثية وتحديات تتعلق بالجودة والنزاهة، يبرز دور رئيس التحرير كحارس للبوابة وملاك للمعرفة. إن صلاحية الرفض المكتبي، التي قد تبدو للوهلة الأولى سلطوية، هي في جوهرها أداة ضرورية للحفاظ على صحة وكفاءة النظام البيئي للتواصل العلمي.

لقد أظهرنا في هذه المقالة أن هذا الحق ليس مطلقاً، بل هو مقيد بالمعايير الأكاديمية والاعتبارات الأخلاقية. إنه قرار يستند إلى تقييم سريع لكن عميق لمدى ملاءمة البحث وجودته الأساسية وأصالته والتزامه بالمعايير الأخلاقية. عندما يتم تطبيقه بحكمة وشفافية، فإن الرفض المكتبي يخدم مصالح جميع الأطراف: فهو يوفر وقت المؤلفين ويوجههم، ويحمي الموارد الثمينة للمحكمين، ويعزز من هوية وجودة المجلة، ويساهم في نهاية المطاف في رفع مستوى الأدب العلمي المنشور.

إن رئيس التحرير اليوم ليس مجرد موظف يقوم بالفرز، بل هو قائد فكري ومهندس استراتيجي. إن قراره بالرفض المكتبي، بعيداً عن كونه بوابة مغلقة، هو في الحقيقة علامة طريق توجه البحث إلى المسار الأنسب، أو دعوة لتطويره وتحسينه ليرى النور في شكل أفضل. في النهاية، الهدف المشترك لكل من رئيس التحرير والمؤلف هو واحد: المساهمة في بناء هيكل المعرفة الإنسانية بطريقة مسؤولة ودقيقة ومبتكرة. والرفض المكتبي، بكل ما يحمله من إحباط ظاهري، هو خطوة ضرورية في هذا المسار الطويل والنبيل.


7. المراجع (References)

  1. Csiszar, A. (2016). Peer Review: Troubled from the Start? Nature, 532(7599), 306-308.
  2. Hames, I. (Ed.). (2007). Peer review and manuscript management in scientific journals: Guidelines for good practice. Blackwell Publishing.
  3. Lee, C. J., Sugimoto, C. R., Zhang, G., & Cronin, B. (2013). Bias in peer review. Journal of the American Society for Information Science and Technology, 64(1), 2-17.
  4. Mulligan, A., Hall, L., & Raphael, E. (2013). Peer review in a changing world: An international study measuring the attitudes of researchers. Journal of the American Society for Information Science and Technology, 64(1), 132-161.
  5. Nicholas, D., Watkinson, A., Jamali, H. R., Herman, E., Tenopir, C., & Levine, K. (2015). Peer review: still king in the digital age. Learned Publishing, 28(1), 15-21.
  6. Resnik, D. B., & Elmore, S. A. (2016). Ensuring the quality, fairness, and integrity of journal peer review: A possible role of editors. Science and Engineering Ethics, 22(1), 169-188.
  7. Ware, M. (2008). Peer review: benefits, perceptions and alternatives. Publishing Research Consortium.
  8. Ware, M., & Mabe, M. (2015). The STM report: An overview of scientific and scholarly journal publishing. International Association of Scientific, Technical and Medical Publishers.
  9. Weller, A. C. (2001). Editorial peer review: its strengths and weaknesses. ASIST monograph series. Information Today, Inc.
  10. Bornmann, L., & Daniel, H. D. (2010). What do citation counts measure? A review of studies on citing behavior. Journal of Documentation, 66(1), 45-80. (للإشارة إلى أهمية الأصالة والجودة التي يسعى إليها النشر).
  11. Rennie, D., & Auffenberg, C. (2018). Editorial Peer Review: Its Development and Rationale. In Peer Review in Health Sciences (pp. 3-19). CRC Press.
  12. Bordage, G. (2001). Reasons reviewers reject manuscripts. JAMA: The Journal of the American Medical Association, 286(22), 2865-2866. (مقال كلاسيكي يوضح أسباب الرفض من منظور المحكمين، والتي تتقاطع مع أسباب الرفض المكتبي).