السرقات العلمية (الجزء الثالث والاخير)

    

    دكتور / خالد حسين عرفات

  أستاذ دكتور أمراض النبات المساعد

            رئيس قسم أمراض النبات – كلية الزراعة – جامعة الوادى الجديد

    جمهورية مصر العربية

 

السرقات العلمية.. الملف الكامل

 

السرقات العلمية استعرضنا فى الجزءالاول من هذه المقالات السرقات العلمية على المستوى القطري والإقليمي العربى، وفى الجزءالثانى استعرضنا السرقات العلمية الدولية. 

السرقات العلمية في الغالب يتم اكتشافها بالصدفة، ولكن في الآونة الأخيرة ظهرت برمجيات 1 ومواقع على شبكة الانترنت 2  للكشف عن هذه الظاهرة، ولكن رغم كل هذه الجهود فان السرقات العلمية ما زالت مستمرة 3 وتهدد بكارثة حقيقية للجامعات والمراكز البحثية 4 .

السرقات العلمية يتطلب الكشف عنها المتابعة المستمرة من الباحث فى مجال تخصصه العلمي او اهتمامه البحثي على شبكة الانترنت، ومن اهم التطبيقات المفيدة في هذا المجال تطبيق جوجل المجاني Google scholar وبه العديد من المميزات 5 ولكن اهم ميزة تهمنا هنا هي خاصية الاشعارات، حيث يرسل للباحث اشعار في حالة نشر بحث جديد في مجال تخصصه، وكذلك Google Alerts والتي تتيح للباحث تتبع كل ما ينشر على مواقع الانترنت في مجال تخصصه.

السرقات العلمية (دراسة حالة على المستوى الشخصي)

الهدف من نشر هذه الوقائع والتي حدثت معي شخصيا، هو توعية الباحثين الاخرين حتى لا يقعوا في نفس الأخطاء، ورغم ذلك الجميع يتعرض للسرقات العلمية بأشكال وطرق مختلفة، والعامل الأساسي هنا هو التزام الجميع بالأخلاق العلمية، والتي هي من صفات الباحث الأساسية والتي يجب ان يلتزم بها، كذلك مراجعة تطبيق القوانين والتشريعات وبطريقة عادلة وسريعة بعيدا عن البيروقراطية التي تستهلك الكثير من الوقت والجهد، وفى النهاية نحن نعانى من ازمة أخلاقية، ويجب ان نسلط الضوء عليها وبقوة، حتى نقلل من هذه الظاهرة التي تدمر كيان البحث العلمى، وكذلك سمعة المجتمع الاكاديمي بأكمله، ولن نتقدم بين الأمم الا عن طريق البحث العلمى، واذا استمرت هذه الظاهرة فسوف يزداد التدهور ولن نتقدم ابدا.

السرقات العلمية (دراسة حالة على المستوى القطري)

في أواخر عام 2014 لاحظت ظاهرة غريبة على ثمار الجوافة في مدينة الخارجة عاصمة محافظة الوادى الجديد اكبر محافظة في جمهورية مصر العربية من حيث المساحة، الا وهى وجود بقع سوداء غائرة على الثمار فأحضرت عينات منها الى المعمل وتم عزل المسببات المرضية منها، واجراء اختبارات العدوى الصناعية وبفضل الله سبحانه وتعالى تم تعريف المسبب المرضى مورفولوجيا وتم ارساله الى الخارج للتعريف الدقيق وتم تسجيل العزلة في بنك الجينات الدولي كعزلة جديدة على مستوى العالم

، وسجلت المرض لأول مرة في مصر

 وبعد عدة سنوات من المجهود الشاق نشرت البحث والحمد لله رب العالمين. وبعد عدة اشهر واثناء تصفحي في الانترنت بعنوان البحث الخاص بي، فوجئت ببحث جديد منشور بعد ستة اشهر من نشر بحثى، وعنوانه التسجيل الأول للمرض على ثمار الجوافة في مصر، وعلى الفور طبعا قمت بمراسلة المجلة المنشور بها البحث، وارسلت لهم بحثى وأكدت لهم أننى من سجل المرض لأول مرة في مصر، وطبعا لم اتلق ردا منهم، واكتشفت انها مجلة من المجلات الوهمية التي تنشر مقابل الأموال فقط، ولا يهمها المحتوى او الأمانة العلمية، كذلك فان المسئولين عنها والمحكمين في نفس المؤسسة البحثية التي يعمل بها الباحث الذى نشر البحث الاخر، ومن ثم تقدمت بمذكرة الى الجهات المسئولة وجارى التحقيق فيها، وذلك منذ اكثر من عام وان شاء الله عندما يتم الانتهاء منها سوف ابلغ حضراتكم بالنتيجة هذا اذا كنت على قيد الحياة.  ولكن المضحك في هذا الموضوع أننى اكتشفت انه من فرحتي بالبحث عملت له مشاركة على جميع مواقع التواصل الاجتماعية والعلمية على الانترنت، كذلك قمت بمشاركته عن طريق قائمة البريد الإلكتروني (لدى قائمة بريدية بها أكثر من 2000 متخصص في امراض النبات)، أي أننى انا من أرسلت له البحث بنفسي سواء عن طريق مواقع التواصل او البريد الإلكتروني. والسؤال المهم هنا اليس مطلوب منا نشر البحث ومشاركته مع الاخرين، حتى تتحقق الاستفادة العلمية؟ والموضوع مازال قيد البحث والله الموفق والمستعان.

السرقات العلمية (دراسة حالة على المستوى الإقليمي)

وصلتني رسالة في احد الأيام من العام 2017 على الماسنجر من احد الأصدقاء على الفيسبوك، وهو احد المتخصصين الخبراء في مجال وقاية النبات يطلب منى صور ومعلومات علمية عن امراض نخيل البلح لأنه يستعد لإعداد كتاب بعنوان (افات النخيل والتمور)، كلام ممتاز وطلب محترم، ثم طلبني على الموبايل وشرح لى الموضوع ووعدته بأرسال كل ما لدى عن امراض النخيل (حفظت رقم الموبايل) وارسل لي طلب رسمي بالموافقة على نشر الصور والمعلومات العلمية

 وارسلت له المواد المطلوبة والموافقة، وارسل لي مرة أخرى وبشكل عاجل يطلب اصول الصور حتى تكون جودتها عالية، فأرسلتها له وابلغته بما يخصني منها وما هو من مراجع أخرى، وانتهى الحوار حتى هنا ولم اسمع منه مرة أخرى، رغم انه معي على الكثير من مواقع التواصل الاجتماعية والعلمية.

في يوم 31/5/2020 واثناء تصفحي المعتاد للمنشور حديثا في مجال تخصصي واهتماماتي البحثية على الانترنت، وجدت كتاب عن نخيل البلح

 اصدرته مؤسسة جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي بدولة الامارات العربية المتحدة، فقمت بتنزيله وتصفحه وعندما وصلت للجزء الخاص بأمراض النخيل وجدت الصور العلمية الخاصة بأمراض النخيل12 


التي أرسلتها لخبير وقاية النبات الخاصة بي والصور الأخرى فى عام 2017، وبدأت ابحث عن أسمي على الصور فلم اجده، فذهبت الى الجزء الخاص بالمراجع فلم أجد شيئا أيضا، وعلى الفور أرسلت لهم ايميل ان هناك صور خاصة بي والمؤلف لم يكتب أسمي عليها، وعندما لم أجد ردا على رسالتي اليهم، قمت بفتح الايميل الخاص بي واسترجعت كل المراسلات السابقة من عام 2017 مع مؤلف الكتاب، وارسلتها لهم ثم جاءني رد لذيذ فعلا عبارة عن خطاب اعتذار من المؤلف 

موجه الى المؤسسة وان اسمى سقط سهوا من المراجع (رد دبلوماسي تجده دائما في مثل هذه الحالات) وكذلك خطاب اعتذار من المؤسسة

 بان المرجع سقط سهوا ... الخ.

ولكن اكثر شيء استفزني فعلا، انهم ذكروا لي ان المؤلف يقوم بأعداد كتاب جديد للمؤسسة وذكروا لي انه قام بوضع صوري وذكرني في المراجع (طبعا نتيجة لجهلنا بقانون حماية الملكية الفكرية يتم التعامل معنا بهذا الأسلوب)، ولكن المؤلف ليس معه اذن كتابي منى لنشر الصور العلمية في الكتاب الأول فكيف ينشرها في كتابكم الجديد؟! مفروض ان أكون سعيد وممتن لكم وله!

عند هذه النقطة كل شيء جميل وطبيعي، ولكننى وانا اقرا طلبه مرة أخرى وجدت انه طلب الصور والمعلومات العلمية لنشرها في كتاب عن افات النخيل والتمور (الكتاب لم يصدر وليس له وجود، والمؤلف ذكره من ضمن المراجع) وانه ليس من حقه نشر الصور العلمية الخاصة بي في هذا الكتاب حيث لم يحصل على اذن كتابي منى بذلك، وهو بذلك منتهك لحقوق الملكية الفكرية.

وعلى الفور قمت بمخاطبة المؤسسة مرة اخرى، وأوضحت لهم كل المسائل الخاصة بحقوق الملكية الفكرية، وطالبتهم بتعويضي ادبيا وماديا طبقا للقانون (وهذا اجراء طبيعي حيث يقوم الناشر بتوقيع عقوبة مالية على المؤلف ودفع قيمة التعويض للشاكي، أي ان الناشر لا يتحمل أي غرامات مالية لأنها مسئولية المؤلف في الاساس) وكذلك اوضحت لهم ان المؤلف ليس من حقه وضع صور علمية خاصة بى فى كتابه الجديد لأنه ليس لديه موافقة كتابية منى بذلك. 

وبعدها جاءتني مكالمة من أحد الاشخاص ذوي العلاقة الوثيقة بهذه المؤسسة، ليحدثني في الموضوع فشرحت له القصة كاملة، وطلب منى التدخل في الموضوع، فرفضت وطلبت منه عدم التدخل. وبعدها جاءتني عدة مكالمات دولية لم ارد عليها طبعا لأنها من رقم المؤلف (والذى ذكرت أننى حفظته عندي على الموبايل منذ عام 2017)، ثم فوجئت باتصال اخر من نفس الشخص الذى اتصل بي سابقا وطلبت منه عدم التدخل، وابلغني ان المؤسسة يطلبوني على الموبايل ولا ارد عليهم، فأبلغته ان الرقم الذى يطلبني هو رقم المؤلف وانا لن ارد عليه، لأنه ليس هناك ما يقال بيننا، وابلغني انه لا يوجد بند في المؤسسة للتعويضات، فشرحت له ان المؤسسة لا تتحمل اى غرامات مالية وانما تقوم المؤسسة بتوقيع عقوبة مالية على المؤلف لانه نشر مواد مخالفة لقانون الملكية الفكرية، وهذا متبع فى كل دور النشر العربية والعالمية، كما انه ابلغنى ان المؤسسة ليست مسئولة عن المؤلف وانه يمكننى ان ارفع قضية على المؤلف، فاوضحت له ان مسئولية المؤسسة ادبية وكذلك قانونية حيث انها الناشر الرسمى للكتاب، وعندها بدا هذا الشخص يوضح لى كيف ان هذا الموضوع سوف يؤثر على العلاقات بين البلدين (يهددننى بطريقة غير مباشرة) فقلت له ان هذا موضوع سرقة علمية وليس له تاثير على العلاقات بين البلدين (اعتقد انه كان يتحدث عن تاثر مصالحه الشخصية) وطلبت منه مرة اخرى عدم التدخل فى الموضوع. وفى هذه الحالة انتهت المرحلة الأولى وهى الإبلاغ عن المخالفة للمؤسسة التي نشرت الكتاب، وانتهت المرحلة الثانية وهى المطالبة بالتعويض الأدبي والمادي، ولإثبات حسن النية وان الموضوع يتعلق بالمبادئ والاخلاق العلمية، وليس التعويض المادي، فأنني سوف ابدا المرحلة الثالثة مع المؤسسة وهى المطالبة بحذف الصور العلمية الخاصة بي من كتابهم، وهذا حقي لأنه تم نشرها بدون اذن كتابي منى وهذا مخالف لقانون الملكية الفكرية. ويجب ان نلاحظ فى هذه المرحلة فان المؤسسة تتحمل المسئولية الادبية لإزالة المحتوى المخالف للقانون، فاذا لم تقم المؤسسة بحذف المواد المخالفة للقانون من الكتاب فأنها تتحمل المسئولية الادبية والقانونية متضامنة مع المؤلف.

وفى هذا الموضوع أكثر شيء ضايقني فعلا، أننى ارسلت للمؤلف كل الصور والمعلومات العلمية بنفسي، بل انه عندما طلب اصول الصور العلمية ارسلتها له، وانا ارى ان التعاون فى مجال البحث العلمى مطلوب، فهل انا اخطأت عندما وثقت فى بعض الاشخاص فى مجال البحث العلمى؟ 

الغريب والعجيب فى موضوع السرقات العلمية اننى سمعت عن حكايات كثيرة من اصحابها وكيف انهم تعرضوا للسرقات العلمية وان هذا الموضوع منتشر وبطريقة فجة فهو موضوع قديم جديد، والسؤال المهم لماذا الجميع صامتون؟ هل نستسلم للسرقات العلمية؟

 السرقات العلمية مستمرة لأنه لا يوجد رادع حقيقي وقوى ضد مرتكبيها رغم وجود القوانين والتشريعات، والسؤال المهم هنا هل نحتاج الى جهة مستقلة متخصصة فى كل دولة لتلقى شكاوى السرقات العلمية، ويكون لها قوة اتخاذ الاجراءات الرادعة ضد مرتكبي السرقات العلمية؟

الموضوع يعبر عن رأى الشخصي وقابل للنقاش والنقد الموضوعي.

 

 


هناك تعليقان (2):

Unknown يقول...

حققك الأدبى والعلمى والمادى لاتتنازل عنة

م/ عمرو جابر نعمان عثمان العواضي يقول...

السلام عليكم
أنا المهندس عمرو جابر نعمان العواضي من اليمن تخصص وقاية نبات و قد أعجبني موضوعك عن السرقات العلمية و أعاني دوما من هذا .. فهل تدلوني على حل لهذا؟
و هذا رقم جوالي +٩٦٧ ٧٧٠٢٧٥٥٦٧

Popular Posts